والدكتور أنور حامد مغيث هو كاتب، ومترجم مصري، ومدير المركز القومي للترجمة ، ويعمل أستاذا للفلسفة الحديثة والمعاصرة، بجامعة حلوان، بجمهورية مصر العربية، وهو يعد واحداً من جيلنا العظيم الذي تعلم فن الترجمة الفلسفية علي يد كل من الدكتور فؤاد زكريا ، والدكتور زكي نجيب محمود ، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور ، والدكتور أحمد فؤاد الأهواني ، وغيرهم أقطاب وأعلام الفلسفة.
والدكتور أنور مغيث أعرفه معرفة شخصية ، فقد كان لي الشرف أن أكون زميلاً له بكلية الآداب بجامعة حلوان ، حيث استلمنا معنا العمل في عام 1995 ـ حيث عُينت أنا مدرساُ في تخصص ” المنطق وفلسفة العلوم” ، وعين سيادته والدكتور مجدي عبد الحافظ في درجة مدرس فلسفة حديثة ومعاصرة خلال عهد الأستاذ الدكتور محمد حسيني أبو سعده (رحمه الله عليه) ، والحق يقال كان أنور مغيث من الشخصيات المصرية المحترمة التي وهَبَت حياتها كلها للجامعة : تعليماً وبحثاً، وظلت اهتماماته الرئيسة هي اهتمامات أستاذ جامعي يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن . كان يعتقد أن قدراته الخاصة لا تقل بحال من الأحوال عن قدرات أي باحث مماثل له في جامعة السوربون . لذلك فإن حواره مع كبار الأساتذة في فرنسا، كان يتسم بالندية . وكان يصحح الكثير من آرائهم بالاعتماد علي المنهج العلمي الحديث في البحث والدرس الفلسفي؛ وبالذات عند روجية جارودي وجاك دريدا وبيير بورديو وغيرهم.
علاوة علي أن أنور مغيث (مع حفظ الألقاب) مثقف أكاديمي غزير الإنتاج ، وذو اهتمامات فكرية متنوعة ، وله شخصية مميزة أقدرها وأجلها ، فقد كان وما زال يتميز بطابع الجدية، حيث كان الحوار معه من أصعب الأمور؛ وخاصة مع أولئك الذين لا يحسنون استخدام عقولهم ؛ فهو لا يقبل هذراً ولا فوضي. والألفاظ لديه ينبغي أن تكون علي قدر معانيها ، فالتزيد مرفوض، والفيهقة مستحيلة . لذلك كانت دائرة أصدقائه ضيقة جدا، ومعارفه قليلين ، وصارت الفكرة التي شاعت عنه أن الصغار يخشون منها، والكبار يهابونها.
ولد الدكتور أنور مغيث في الثاني عشر من شهر مايو عام 1956 بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية جنوب دلتا النيل. وقد نشأ سيادته في بيت كان الجميع فيه يقرأون، وكان أباه معلماً ومشتركًا في كثير من الدوريات الثقافية التي يحملها ساعي البريد إليه.. أنهي أنور مغيث في المنوفية دراسته الابتدائية، وانتقلت بعد ذلك الأسرة بكاملها إلى بني سويف بصعيد مصر، حيث أنهي مغيث المرحلة الإعدادية، وكانت المرحلة الثانوية بشارع الأهرام بمدينة القاهرة، وطوال هذا الوقت كانت القراءة هوايته المفضلة، بل وأيضاً سبباً لتفوقه في الدراسة.
ثم التحق أنور مغيث بكلية الآداب فى قسم اللغة اليابانية الذي كان أول افتتاح له في هذا العام 1974، ولكن انخراط مغيث في النشاط السياسي اليساري بالجامعة، جعل من الصعب المواظبة في قسم اللغة اليابانية، فعالج الأمر بأن التحقت بقسم الفلسفة التى كانت في نظر رفاقه لا تحتاج الكثير من المواظبة كما يقول.. اهتمام أنور مغيث بالعمل السياسي بالجامعة جعل له مصدرًا آخر للمعرفة غير تلك التي تلقاها في الجامعة، وهي الفلسفة الماركسية.. وكان إعداد المناضل السياسي يتطلب أن يكون ملماً بشيء من العلوم السياسية والاقتصاد والأدب والفن، وأنور مغيث أعتبر ذلك فرصة عظيمة جعلته غير مقيد بالفلسفة الأكاديمية الجامعية، ونجح بتفوق في الليسانس.
بيد أن حلم السفر إلى فرنسا لإعداد الدكتوراه كان يراوده صباح مساء، وبالفعل سافر أنور مغيث إلى فرنسا بدون منحة أو بعثة، وبدأ في إعداد الجزء الأول من الدكتوراه مع الفيلسوف الفرنسي جان لوك نانسي في جامعة ستراسبورج. وكان الموضوع عن البراكسيس أو “الممارسة العملية” عند ماركس الشاب. وكان دافعه وراء ذلك هو التعرف على ماركسية جديدة ونقد الماركسية التقليدية الستالينية التي تربينا عليها.
في خلال تلك الفترة حصل أنور مغيث علي شهادة الـ A.E.D فـي الفلسفة من جامعة II Strasbourg عام 1985 ، ثم شهادة الـ A.E.D في الدراسات العربية الإسلامية من نفس الجامعة في العـام التـالي. قام بعد ذلك بالتسجيل لنيل درجـة الدكتوراه بجامعة X Paris عـام 1987.
وبعد سفر المشرف نانسي إلى أمريكا للتدريس بها، انتقل أنور مغيث إلى جامعة نانتير بباريس تحت إشراف الفيلسوف جورج لابيكا الذي أقنعنه بإنجاز رسالة عن التلقي المصري للفلسفة الماركسية. حصلت على الدكتوراه عام 1992 وعاد أنور مغيث إلى القاهرة لتدريس الفلسفة بجامعة حلوان عام ١٩٩٥، وإلى جانب التدريس أهتم بنشاطين آخرين: أولهما الترجمة عن الفرنسية، وثانيهما المشاركة النظرية فى الجدل السياسي العام منحازاً إلى قضيتين أساسيتين وهما الديمقراطية والعلمانية.