شيخ الرسامين، ومعادي الصهيونية، والقومي العروبي.. جميعها ألقاب قد تصف الفنان أحمد طوغان، رسام الكاريكاتير الأهم على مدار أكثر من 65 عامًا، سخر خلالها ريشته لخدمة الإنسان والدفاع عن حقوقه وقضاياه، ولدعم المناضلين ضد الاستعمار، في مسيرة إبداعية كتبت لها النهاية بوفاته عصر الأربعاء 12 نوفمبر.
بدأت رحلة أحمد ثابت طوغان، المولود في محافظة المنيا لأب يعمل ضابطا، مع الكاريكاتير منذ أن كان أحد تلاميذ «مدرسة الأقباط الابتدائية» في ديروط بأسيوط مطلع الثلاثينيات، وقتها نبهه مدرس الرسم إلى موهبته وقال له «أنت طريقك في الحياة إنك تكون رسام، وهذه الموهبة لا تهملها»، بل ذهب الأستاذ لأبعد من ذلك، فأمد تلميذه بكتب عن هذا الفن.
منذ ذلك الوقت، عرف «طوغان» أن طريقه هو الكاريكاتير ولا شيء غيره، وتيقن من أهمية هذا الفن أثناء الحرب العالمية الثانية، حينما لجأ رئيس الوزراء البريطاني «تشرشل» لتوظيف الكاريكاتير كسلاح في المعركة لرفع معنويات جنوده بعد اكتساح الألمان لأوروبا، وقتها قرر «طوغان» أن يرسم، فاتخذ من الجدران في الشوارع مساحة لرسومات خطها بالطباشير، إلى أن كان يوم رآه صدفة محمود السعدني «الولد الشقي»، فأقنعه بضرورة احتراف الرسم للصحف.
«رسمك لا يستحق النشر، أبعد عن الرسم واهتم بدروسك ولا تعاود ما لا تصلح له، لأن هذا الفن من شأن الكبار».. كانت تلك هي العبارات التي وجهها مسؤول بقسم الكاريكاتير في أحد الصحف لـ«طوغان» وأتبعها بتمزيق لوحاته، ردًا على طلبه العمل بالصحيفة، إلا أنه لم يتوان عن تكرار التجربة، مدفوعًا بتشجيع «السعدني»، فعمل في العديد من الصحف، بدأها عام 1947 بمجلة «12 ساعة»، ثم جريدة «الجمهور المصري»، ومجلة «المساء» مع أستاذيه «رخا» و«زهدي»، وبعدها «روزاليوسف».
كان «طوغان» اختيار الرئيس الراحل أنور السادات، في أكتوبر 1953، للمشاركة في تأسيس صحيفة «الجمهورية» ورسم الكاريكاتير السياسي فيها، ومنذ ذلك الوقت نمت علاقته بالسادات وأصبحت صداقة كانت سببًا فيما بعد في إصدار صلاح سالم قرارًا بفصله من الجمهورية، كما عمل «طوغان» في «أخبار اليوم» التي ارتفع راتبه فيها من 12 جنيها إلى 80 جنيها، وهو ما لم يكن سببًا مغريًا يزحزحه عن قراره بترك العمل في الصحيفة، انتصارًا لاستقلاليته، بعد خلاف مع على أمين.
من موقع التلميذ لثلاثة يعتبرون آباء لفن الكاريكاتير المصري، «رخا» و«زهدي» و«صاروخان»، انتقل «طوغان» إلى موقع الأستاذية لصلاح جاهين، بعد أن قابله صدفة على «قهوة عبدالله»، وتوسم فيه التميز، فعرّفه بزكريا الحجاوي، وتعهده حتى خرجت أولى رسومات «جاهين» عام 1949 في مجلة اسمها «الأسبوع»، كانت مشروعًا بين «طوغان» و«السعدني»، لم يظهر للنور منه إلا 9 أعداد بشق الأنفس، قبل أن تباع تلك الأعداد بالكيلو لتسديد ثمن بدلة لـ«الولد الشقي».
على مدار أعوام، ومن «قهوة عبدالله» والعمل بصحف ومجلات متعددة، اختلط «طوغان» بشخصيات مهمة مثل فتحي الرملي، وفاطمة اليوسف، وزكريا الحجاوي، ويوسف إدريس، إلا أن الأقرب دومًا لقلبه كان «السعدني» الذي رافقه في كل الصحف والمجلات، وقال عنه في حوار صحفي «70% من حياتي قضيتها معه، عملنا معًا وتصعلكنا معًا، وضحكنا واكتئبنا معًا، وأكلنا وشربنا وروحنا وجينا ونمنا وصحينا وجعنا وشبعنا معًا».
كان لـ«طوغان» موقف سياسي واضح تجاه القضايا السياسية المصرية والعربية، فهو من استبشر خيرًا بثورة يوليو، وانتقد ما أصاب الحال السياسي بعدها من «فساد وانحرافات بعض الضباط»، وكان ضمن صحفيين قرروا بعد هزيمة 1967، تشكيل مجموعة للمقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين حال دخولهم القاهرة، كما كان من الرافضين لسياسات الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومؤيد لثورة 25 يناير ضده.
«العروبة مثل الدين، لم ولن تموت، لأن مصير العرب وأحلامهم واحدة مهما اختلفوا».. عبارة قالها «طوغان» في حوار صحفي، لتعكس إيمانه بالقومية العربية، التي كانت تسير في خط موازِ لكراهيته لإسرائيل، لدرجة أنه عندما أعلن مجلس الأمن تقسيم فلسطين عام 1948، ذهب للتطوع في الحرب ضد إسرائيل وكان من المقبولين، ولم يتراجع حينها عن القرار إلا لأن «السعدني» لم يٌقبَل معه، فأبى النضال بدون صديقه.
على الرغم من عدم سفره لفلسطين كي يحارب إسرائيل، إلا أن «طوغان» قرر منذ ذلك الوقت محاربتهم بالرسم، وتأكيد أن تلك الدولة ليست إلا «كيان مختلق في المنطقة العربية»، وهو ما جعل منه في نظر إسرائيل عدوًا لها ولـ«السامية».
الموقف السياسي لـ«طوغان» كان دائمًا مع «حقوق الإنسان، وحرية الشعوب، ومعاداة الاستعمار»، هذه المبادئ التي جعلت منه صديقًا لـ«جيفارا»، ودفعته للسفر والنضال مع الجزائريين في معارك حرب الاستقلال التي كُرِم عنها في الستينيات، ووثقّها في كتابه «أيام المجد في وهران»، في تجربة للعيش خارج مصر، لم تقتصر على هذا البلد، بل ضمت دولاً منها اليمن ويوغوسلافيا وتشيكلوسلوفاكيا وإيطاليا وفرنسا.
«طوغان»، الذي كان ليتم في 20 ديسمبر المقبل عامه الثامن والثمانين لو أمهله القدر، شغل مناصب عديدة مهمة منها مستشار «دار التحرير للطبع والنشر» ورئيس تحرير مجلة «أمبسادورز» العالمية التي تصدر من كندا، ورئيس تحرير مجلة «كاريكاتير»، وكان رئيسًا للجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتير، وأحد مؤسسيها، وبجانب الرسم عبّر «طوغان» عن أفكاره في مؤلفات كان أولها كتاب «قضايا الشعوب» الذي كتب مقدمته الرئيس السادات.
لم تقتصر خطوط يد «طوغان» على الكاريكاتير، فرسم لوحات لم يكن يجبره على بيعها إلا الأسباب المادية، ونظم لتلك اللوحات معارض إلى وقت قريب جدًا، وكان منها «100 سنة كاريكاتير» في يناير 2011، و«الكاريكاتير والثورة» أكتوبر 2011، و«همّ يضحك» مايو 2012.
رسم اللوحات والكاريكاتير والكتابة، والأهم الموهبة والعطاء، كانت جميعها أمور نتاجها الطبيعي حصوله على جوائز، منها «وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزة على ومصطفى أمين، والجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير عن حقوق الإنسان من الأمم المتحدة».