"القارئ المعاصر" الذي يضيق أفقه عن الشعر العربي القديم ظاهرة جديدة نسبيًّا في مصر. فلو أنني كتبت عن امرئ القيس، أو عمّن هو أقل شهرة منه في عصر طه حسين والعقاد وأحمد أمين وغيرهم من أبناء ذلك الجيل الناهض، لما أثارت مقالتي أي استغراب و لاندرجت بسهولة في تيار الاهتمام الأدبي العام، وهو عكس ما يحدث الآن.
وتدل جدة الظاهرة المذكورة على تردي الأوضاع الثقافيّة منذ أن رحل أولئك الأعلام. فلم يعد الاهتمام بالأدب العربي القديم جزءًا من الوعي العام، وهو الآن حبيس الأسوار الجامعيّة وأسير الكتابات الأكاديميّة. ويخيل إليّ أن هذه الكتابات لا تصلح للقراءة أصلاً لأنها ذات أهداف نفعيّة عاجلة، وفي مقدمتها طبعًا تلقين الطلاب معلومات يسهل حفظها وتفريغها في ورقة الامتحان. والنقد الأكاديمي يخنق عادة العمل المنقود ولا يحييه. ونظام التعليم كما نراه اليوم لم يعد يصلح لتخريج إنسان مثقف. من هنا كان اضمحلال عدد القرّاء – في الأدب أو غير الأدب – على الرغم من زيادة عدد السكان.