العالم كله جماله ذاتي، وحسنه عين نفسه، إذ صنعه صانعه عليه؛ ولهذا هام فيه العارفون، وتحقق بمحبته المتحققون، ولهذا قلنا فيه في بعض عباراتنا عنه: "إنه مرآة الحق" ، فما رأى العارفون فيه إلا صورة الحق. وهو – سبحانه – الجميل؛ والجمال محبوب لذاته، والهيبة له في قلوب الناظرين إليه ذاتية؛ فأورث المحبة والهيبة؛ فإن الله ما كثّر لنا الآيات في العالم وفي أنفسنا – إذ نحن من العالم – إلا لنصرف نظرنا إليه: ذِكرًا، وفكرًا، وعقلاً، وإيمانًا، وعلمًا، وسَمعًا، وبصرًا، ونهى، ولُبًّا. وما خُلقنا إلا لنعبده ونعرفه، وما أحالنا في ذلك على شيء، إلا على النظر في العالم؛ لجعله عين الآيات والدلالات على العلم به: مشاهدة وعقلاً.
محيي الدين بن عربي؛ الفتوحات المكية، ج. (9).
إن ابن عربي لا تُعرف أهميته في عالم الأدب والأخلاق؛ إلا إذا فكرنا جيدًا فيما ترك من الثروة الأدبية والأخلاقية. يجب أن نتذكر أنه ترك ألوف الصفحات ومئات القصائد، وأنه راض اللغة على الطواعية للرموز والإشارات؛ وأنه علّم الناس كيف يخوضون في أخطر الأحاديث، ثم يُسلمون؛ وأنه هضم ما درس من الفلسفة اليونانية، ومن أصول الديانة اليهودية والديانة النصرانية والديانة الإسلامية، ثم أحال ذلك كله إلى مِزاج من الفكر الفلسفي الدقيق، يعز على من رامَهُ، ويطول.
يكفي أن يتذكر القارئ أن ابن عربي سيشغل الناس، ما دام في الدنيا إنسان، يهمه الوقوف على ما صنع الذكاء في درس أسرار الوجود. لا تقولوا أخطأ ابن عربي أو أصاب؛ ولكن قولوا إنه رجل قضى العمر كله في محاورة العقل، ومناجاة الروح.
د. زكي مبارك