الجلسة البحثية الخامسة والأخيرة من فعاليات ملتقى القاهرة الدولى الخامس للشعر العربي
الشعر والرقمنة
في ختام ملتقى القاهرة الدولي الخامس للشعر العربي: "الشعر وثقافة العصر"، (دورة إبراهيم ناجي وبدر شاكر السياب)، الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة برعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عُقدت ظهر اليوم الرابع والأخير للملتقى الجلسة البحثية الخامسة بمقر المجلس الأعلى للثقافة، والتي شهدت مشاركة النقاد: الدكتورة غراء مهنا، والدكتور أسامة البحيري، والدكتورة رشا ناصر العلي، وأدار الجلسة الدكتور زياد علي من ليبيا.
قدمت الدكتورة غراء مهنا ورقتها البحثية حول ترجمة الشعر: الجميلة الخائنة، إذ تناولت ترجمة الشعر من خلال قصيدة "البحيرة" التي نظمها الشاعر الفرنسي " لا مارتين" عام 1817 وترجمت إلى العربية عشرات المرات وبالتحديد في الفترة من عام 1926 إلى 2002.
ولقد جمع محمد زكريا عناني 19 ترجمة لهذه القصيدة في كتابه "شعر لا مارتين في ترجماته العربية" (2006) ولكنه لم يتناول هذه الترجمات بالدراسة والفحص ولم يقارن بينها. ويؤكد عنانى أن ترجمات هذه القصيدة تتجاوز العشرين ترجمة بكثير، وهناك مخطوطات لم تنشر كما يؤكد أن ترجمة أحمد شوقى كانت أول هذه الترجمات ولكنها ضاعت وفقد النص"، مؤكدة أن أن ترجمة الشعر من أصعب الترجمات.
ثم قدم الدكتور أسامة البحيري ورقته البحثية عن تفاعل الصوت والصورة في الشعر الرقمي، إذ يرى أن مركزية الصوت والحرف كانت لها الهيمنة في عصر الشعرية الشفاهية والكتابية، وفي ظل العولمة احتلَّت الصورة واجهة المشهد، ففرضت نفسها في مجال الإعلام، والدراما السينمائية والتلفزيونية، وحضرت بقوة في مجال الإبداع الأدبي والشعري، والدراسات النقدية.
وحيث إن وسيلة توصيل الشعر قد تغيَّرت، وتطوَّرت قنواته الاتصالية من الوسيط الورقي في المرحلة الكتابية، إلى الوسيط التكنولوجي، المتمثل في الشاشة الزرقاء في الحاسوب، والجوال، وتبعًا لذلك تطوَّرت آليات الإبداع الشعري، واتسعت آفاق التلقي، وزاد دور المتلقي في العملية الإبداعية، وتغيَّرت بعض خصائص الأجناس الأدبية المنقولة عبر الوسيط التكنولوجي (الشاشة الزرقاء)، فقد أفاد الشعر الرقمي والتفاعلي من التطورات التكنولوجية، وطوَّعها لخدمة العملية الإبداعية، وفتح آفاقًا هائلة لنشرها وإذاعتها، وابتكار ألوان أدبية جديدة تقوم على استثمار الوسائط التكنولوجية المتنوعة، والإفادة من الفنون البصرية التصويرية، والموسيقى وأشكال الجرافيك، في المزج بين التشكيل البصري، والصوتي، واللغوي في النصوص الإبداعية الشعرية، وإتاحة قدر كبير من "التفاعلية" (Interactivity)، وهي لا تعني قدرة المتلقي/المستخدم على الإبحار في عالم الإنترنت الافتراضي فحسب، بل تعني قوته وقدرته على إحداث التغيير فيه (32). فهي لا تكتفي بمتعة المشاهدة والانبهار، بل تستحضر فاعلية المتلقي في إكمال العملية الإبداعية، وتسمح له بأداء دور كبير في تلقي النصوص، وتأويلها، وتطويرها.
وعرضت الدكتورة رشا ناصر العلي ورقتها البحثية عن التشكيل البصري الكتابي ودلالاته في النص الشعري الحديث: "إذا كان الشاعر قديمًا في مأمن، لأنه يعرف حدود مكان نصه الشعري داخل إطار مغلق، فإن الشاعر المعاصر قد وعى أهمية المكان، وأن بياض الصفحة جزءٌ من البناء الشعري، كما أدرك أن القلق الداخلي ينعكس على تحريره النص وعلى طريقة ترتيب كلماته، وطريقة قراءتها بعد أن صارت القصيدة حيزًا مكانيًّا يتفاعل مع التقنيات الجديدة قدر تفاعلها مع الأحاسيس والمشاعر.
ومن هنا أصبح للفراغ الطباعي دور في النص الشعري، فهو المتمِّم لعملية إنتاج الدلالة الشعرية، وهذا ما عبَّر عنه "مالارميه" بقوله: "لتنظيم الكلمات في الصفحة مفعول بهي، واللفظة الواحدة تحتاج إلى صفحة كاملة بيضاء، وتصوير الألفاظ وحده لا يؤدي الأشياء كاملة وعليه فالفراغ الأبيض متمِّم".
فعملية التحرير وارتباطها بطريقة القراءة عملية أوَّلية في التلقي، وقد كان لتنظيرات "دي سوسير" و"رولان بارت" فيما يخص الدلالة غير اللغوية أكبر الأثر في التفات الشعراء والنقاد إلى فراغ الصفحة والنظر إليه بوصفه جزءًا من القصيدة، وهو ما أسماه "غريماس" بالشكل الخطي الجرافيكي، وهو يتعلق بالهيئة الطباعية للقصيدة.
واختتمت الجلسة بعدد من الأسئلة حول ترجمة الشعر وجدواها وقيمتها ومدى صحة وصف ترجمة الشعر بالخيانة، وكذلك حول العلاقة بين الشكل الذي يُكتب به الشعر ومضمونه.