ختامًا لجلسات الملتقى الدولى الرابع لتفاعل الثقافات الأفريقية، الذى انطلقت فعالياته صباح أمس الأول تحت رعاية وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وينظمه المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمى، عقدت مساء اليوم الجلسة البحثية العاشرة والأخيرة تحت عنوان: "الهُوية الثقافية الأفريقية"، وترأسها الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق، وشارك فيها نخبة من الأكاديميين من مصر والوطن العربى وهم: الدكتورة حفيظة مخنفر الأستاذة بجامعة سطيف بالجزائر، والدكتور سيد فارس الأستاذ المساعد للأنثروبولوجيا بكلية الآداب بجامعة بنى سويف، والدكتورة شريفة فاضل محمد بلاط الأستاذة المساعدة للعلوم السياسية بكلية التجارة قسم العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة بورسعيد، والدكتورة نادية عشماوى مدرسة العلوم السياسية بقسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة.
افتتح الحديث رئيس الجلسة الدكتور عماد أبو غازى، مرحبًا بالحضور كافة من مختلف البلدان الشقيقة الأفريقية والعربية، ثم ذهبت الكلمة للدكتورة حفيظة مخنفر التى شاركت بورقة بحثية عنوانها: "الهوية الثقافية بالجزائر والخوف من الآخر"، وأوضحت أن ورقتها البحثية تهدف إلى طرح موضوع الهوية الثقافية بالجزائر والخوف من الآخر، في محاولة التسليط الضوء حول أزمة الهوية الثقافية بين فعل الصراع الهوياتي وظاهرة التعايش الثقافي ، من خلال تقديم مقاربة نظرية لظاهرة " الخوف من الآخر " في سياق أزمة الهوية والتعدد الثقافي ، وتبيان الجذور التاريخية الأزمة الهوية الثقافية بالجزائر ونشأة ظاهرة الخوف الثقافي ، كذلك توضيح كيف أسست السياسة الاستعمارية الفكرة التفرقة بين الجزائريين على أساس عنصري ؛ باستغلال بعض الفروقات بين الجماعات الثقافية داخل الجزائر التي تتمايز وتختلف لغوياً ، وخلقها لظاهرة " العربوفوبياء" أو الخوف من العنصر العربي ، وتكوينها الحُب من العنصر القبائلي أو البربري مقابلة للعنصر العربي.
ثم جاءت كلمة الدكتور سيد فارس، الذى جاءت مشاركته البحثية بعنوان: "الثقافة فى عالم كريولى، هجين، سائل"؛ حيث أوضح أن الثقافة تمثل حزمة الافتراضات غير المدركة بدرجة كبيرة، التى تعتنقها جماعة من البشر على نطاق واسع، وتُقارب الثقافة، غالبًا، بوصفها شفرة، نموذجًا إرشادية، وحديثًا مادة يمكن أن تنتشر عبر العالم. وأكد أن جوناثان فريدمان Friedman يتبنى موقفًا أكثر بساطة؛ فالثقافة بمعناها العام الأشمل، هى شىء تنفرد به المجتمعات الإنسانية، ويرتكز على فكرة وجود طرائق بديلة لفعل وأداء أشياء متشابهة أو حتى متماثلة، وأوضح أن مفهوم فريدمان يستند على فكرة الاختلاف؛ بواسطة طرائق مختلفة لإنجاز الأشياء، طرائق مختلفة للارتباط بالعالم، طرائق مختلفة لتنظيم إعادة الإنتاج الاجتماعي، وهلم جرا، وتعد الثقافة نسقًا مركباً ومتكاملاً للتفكير والسلوك يشترك فيه أفراد جماعة معينة.
عقب هذا تحدثت الدكتورة شريفة فاضل، التى قدمت ورقة بحثية تحت عنوان: "الهوية الثقافية وتأثيرها على العلاقات الصينية الأفريقية" حيث أكدت أن هُوية الأمة هي صفاتها التى تميزها عن باقى الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية، والهوية الثقافية تعني الخصوصية، والتفرّد الثقافى، بما يشمله معنى الثقافة من عادات، وأنماط سلوك، وميول ، وقيم ، ونظرة إلى الكون ، والحياة ، وقد تكون سبباً في تقارب أو تنافر بعض الدول ، والشعوب . والصين دولة ذات هوية ثقافية وحضارية مميزة ، ارتكزت عليها منذ بداية الألفية الحالية للدخول بهدوء إلى القارة الأفريقية ذات الثقافات المتعددة ، حتى لا تثير موجة استعداء ضدها بسبب تجرية الدول ، والشعوب الأفريقية مع الاستعمار الغربي ، فرفعت شعارات " صداقة وشراكة بلا استغلال . " ورغم أن للعلاقات الصينية الأفريقية جذور تاريخية قديمة ، مرورا بفترة حكم ماوتس تونج ثم دنج شياو بنج ، وجيانج زيمين ، ووصولا إلى الرئيس الحالي شي جين بينغ ، إلا أن الصين نوعت من أدواتها عند التعامل مع القارة الأفريقية ، ما بين وسائل اقتصادية ، أو عسكرية ، وغيرهم ، ويعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، وتحول العالم لفكرة العولمة اعتمدت الصين بشكل كبير على القوة الناعمة ، ومن أخص أدواتها البعد الثقافي . فعملت الصين على احترام الهوية الثقافية للدول الأفريقية ، واعتمدت على العامل الثقافي لخلق صورة إيجابية وبنَّاءة عنها فى أفريقيا ؛ لتسهيل تواجدها ، وتغلغلها لدى الشعوب الأفريقية . وحرصت على تأمين العديد من المنح التعليمية ، والتبادل الثقافي ، والتعليمي لعدد كبير من الطلاب الأفارقة، إضافة إلى عقد ورش العمل المشتركة ، والتدريب المشترك، وتعميق العلاقات الثقافية بما فيها التعليم ، والصحة ، والعلوم ، والتبادل الشعبي . وأدت المبادئ التي رفعتها الصين كمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأية دولة أفريقية ، وعرض المنح ، والمساعدات دون شروط مسبقة ، بالإضافة إلى تاريخها المتضامن مع القضايا الأفريقية إلى المزيد من ثقة الدول الأفريقية.
فيما تحدثت فى مختتم الجلسة الدكتورة نادية عبد الفتاح، التى شاركت بورقة بحثية بعنوان: "أيديولوجية القبلية والإثنية معضلة الدولة الأفريقية"، وتناولت سعى الحكومات الاستعمارية إلى تدمير كافة السلطات التقليدية القائمة مما أسفر عن جماعات متناحرة داخل الدولة الواحدة ، ومحاولات جماعات أخرى التدخل في شئون الدول المجاورة لامتداد وتداخل الجماعات الإثنية بين الدول، ومع التطورات الدولية عملت الدول المنتدية أو الواصية إلى دفع الدول المستعمرة في القارة إلى تبنى نظام حكم معين، مما أوجد تنميطًا لأنظمة الحكم في القارة وفق الخبرة الأوروبية والغربية دون النظر إلى السلطات التقليدية القائمة على أرض الواقع الأفريقي أو خصوصية هذا الواقع . مما ولد صراعات متعددة بين كافة القوى المجتمعية الفاعلة داخل الدولة الواحدة أو بين الدول المتجاورة . وقد دار جدل حول الهوية أبان الاستقلال ، هل هي الهوية القومية ، أم الهوية الإقليمية ، أم الهوية الأفريقية الجامعة ، وانتهى الجدل بتبني الدول المستقلة الهوية الإقليمية التي رسمها الاستعمار وفق مصالحه . ورغم أن هذا التوجه قد جنب الدول الأفريقية العديد من المشكلات في البداية ، إلا أن ممارسات أنظمة الحكم في دولة ما بعد الاستقلال ، وطبيعة التحول في المعطيات الإقليمية والدولية كان له الأثر الأكبر في انفجار الصراعات الداخلية والإقليمية فى القارة ( 14 حرب أهلية ) . وعلى الرغم من محاولات الأنظمة الأفريقية الحاكمة التعامل مع هذه الصراعات بوسائل متعددة ، و فشل الآليات الداخلية والإقليمية السيطرة عليها ومنع انتشارها إقليميا ، وطريقة التدخل الدولي التي استخدمت نماذج بناء الدولة وفق منظومة القيم الغربية ، التي لم تتناسب مع طبيعة الدول أو الصراعات فيها ، مما جعل من غالبية هذه المحاولات لبناء الدولة غير مناسبة ووقتية وغير مستدامة وتمثلت المحاولات في تقديم وعود بإجراء تعديلات في المؤسسات السياسية وانتخابات حرة تمثيلية وما إلى ذلك.