محمد مندور قمة شامخة في صرح أدبنا العربي، وقامة شامخة بين العمالقة الأعلام. حياته مثل نضالي رفيع. ومثال يحتذيه كل نجيب وكل راغب في المضي على درب النابغين. حين طلب العلم أقبل عليه ونهل حتى ذهل عن كل شيء إلاه، وحين تلفت صوب وطنه ومواطنيه بذل وضحى، سجن وطرد، وهو ماض في سبيله لا يعبأ بسطوة سلطان أو فقر أو ظلم، فالرسالة التي رضي أن يحملها مقدسة يهون في سبيلها كل غال. وحين تعين عليه أن يعلم فاض وروى، ومن أعماق قلبه أعطى جهده وفكره ووقته وروحه أيضًا.
لقد حرص أبناء جيلي ونحن في مرحلة الصبا والشباب على مطالعة كل ما كتب مندور فور صدوره، وتطلّعنا أن يكون إلى نهاية أعمارنا، كما هو أبرز أعمدة حياتنا الثقافية، ولكنه ومض كالشهاب ورحل، وحسبه ما بذل. وأخذت السنون تمعن في الفرار، والمساحة التي خلت بغياب مندور تتسع، وأثر هذا الغياب يغوص في قبل حياتنا كسكين.