خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، وفي طيات الجدل حول الإصلاح السياسي في الوطن العربي الذي انبعث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ظهر من جديد جدل الثقافة العربية، فبسبب اليأس من إنجاز هذا التحول، عوَّل البعض من جديد على ضرورة التوسل إلى الإصلاح السياسي بالإصلاح الاقتصادي، بمعنى نشر الثقافة الحديثة، وفي القلب منها الثقافة الديمقراطية. تجلى جدل الثقافة في الاستقطاب بين أنصار الإصلاح من أعلى وأنصار التغيير من أسفل. يرى الأوائل أن العلة في السياسة؛ ولذلك يجعلونها الحلقة الأولى للإصلاح، ويرى الأواخر – إما لشكهم في ملائمة ثقافة الناس للتحول الديمقراطي أو ليأسهم من إقدام النظم الحاكمة عن التنازل طوعًا عن حكمها المطلق – ضرورة أن توطن الثقافة الديمقراطية أولاً بوصفها مقدمة لا بد منها للإصلاح السياسي.
وحيث إن هذا التناول يعتبر – في رأي المؤلف – انحرافًا بقضية التحول الديمقراطي عن مسارها الصحيح، ويعد زجًّا غير علمي بالثقافة في قضية هي سياسية بالأساس، فقد خط المؤلف هذا الكتاب ليُثبت بالرجوع إلى النظريات الاجتماعية وإلى الحالات التاريخية أن قدر الثقافة هو أن تكون بنية تابعة ومشروطة بالنظم والبنى الاجتماعية الأخرى، وأن الطلقة الأولى الطالقة للإصلاح – حتى الثقافي – هي التحول السياسي ذاته في نظرية أسماها "حاكمية البنية السياسية لمجمل التطور الاجتماعي".