تأتى مساءلة الهوية عندما تستشعر الأمة الحاجة إلى الدفاع عن النفس، وإلى التعريف بمشروع وجودها فى لحظة تهدد كيانها. فالهوية ليست جوهرا ثابتا، وتشكلها هو عملية بناء فكري، ضاربة في عمق الزمن بقدر ما أنها متواصلة ومستمرة.
لكن الهوية - مع ذلك - تتعرض للتهديد حتى عندما تبدو مؤكدة. بيد أنه لا يُخيفنا، أن يلح البعض، فى لحظات الشعور بالخطر، على طرح التساؤل عن الجوهر والأصل والهوية؛ فعلى عكس ما هو متوقع، قد يكون لذلك أثر إيجابي في تنشيط الذاكرة، وإعادة موضوع الهوية الوطنية إلى مركز المناقشات، ونخرج من هذه الأزمة الاجتماعية باستبصار جديد وواضح حول مقومات الأمة وأصالتها، ومدى أهمية الحفاظ على روحها اليقظة. إن إذكاء الوعي بمحصلة التجارب التاريخية يؤدي بالضرورة إلى دعم الموقف الاجتماعي في مواجهة المعضلات التي تهدد وحدة الكيان والمصير.
وفى هذا السياق تبدو دراسة الهوية - بين الحين والآخر - أمر ضروري وصحي؛ لأجل تجديد ذاكرة الأمة بنفسها، والحفاظ على توهج روحها وتماسك نسيجها الوطني.
يسعى كتابنا هذا إلى معالجة قضايا الهوية (أبعادا وتحولات)، محاولين - عبر مساهمات نخبة من كبار المتخصصين - تقديم إجابات ممكنة عن كثير من التساؤلات الراهنة التي لا تزال تشغل العقل المصري، وتثير لديه روح المناقشة الجادة وشهوة البحث المتواصل في الزوايا التي لا يزال يكتنفها الغموض.