كانت لمصر طبيعة متميزة في علاقتها بالدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، حيث كانت لها شخصيتها شبه المستقلة، مما دفعها إلى قيام نهضة شملت مختلف مناحي الحياة، والتي كانت نتاج عوامل فكريّة وحضاريّة واقتصادية، ومن ثم اتجه إليها أنظار الرحالة الأتراك، وأصبحت محط اهتمامهم، فقصدها الكثيرون منهم.
ويتناول هذا الكتاب بالدراسة إبراز صورة مصر في كتابات أولئك الرحالة الأتراك الذين قدموا إلى مصر خلال هذه الفترة، والتي اتسمت بتعدد المجالات التي تطرق إليها مؤلفوها من خلال رحلاتهم وفقًا لتعدد اهتماماتهم واختلاف دوافعهم، مما أتاح فرصة تنوع مادتها ومناهجها وثرائها. وبناء على هذا، سوف يلمس قارئ هذا الكتاب وجود تنوع في مستويات الرؤية لهؤلاء الرحالة، فمنهم من انصرف إلى إبراز صورة تحليلية نقديّة انطباعيّة لمصر من الناحية الاجتماعية، ومنهم من حرص على إعطاء صورة صادقة ودقيقة عن مصر وأحوالها الاقتصادية، ومما يلفت النظر في هذا الكتاب حرص الرحالة الأتراك أصحاب النظرة الانطباعيّة الذين اهتموا بالجانب الاجتماعي فقط، على إبراز الجوانب السلبيّة دون مراعاة للجوانب الإيجابيّة، في حين أن أصحاب النظرة الموضوعيّة جنحوا إلى إبداء إعجابهم الشديد وانبهارهم بما وصلت إليه مصر من تقدم وازدهار في تلك الفترة، وتفوقها في كثير من المجالات إلى حد أن تمنى بعض الرحالة أن تستفيد تركيا من ذلك النموذج الرائع الذي حدث في مصر فتحذو حذوها.