يعتبر عيد النوروز الذي خلقته البيئة الإيرانية منذ أقدم العصور، وظل خالدًا على الدهر في العهود الإسلامية حتى وصل إلى عصرنا الحاضر. أكثر الأعياد شهرة في التاريخ، وأبعدها صيتًا، وأقواها تأثيرًا في الشعوب الإسلاميّة عربية كانت أم تركية أم فارسيّة. وإذا كان هذا العيد قد اتخذ لونًا إسلاميًّا مناسبًا لروح العصر، فإنه على الرغم من هذا ظل محتفظًا بتقاليده وسننه التي كان يسير عليها الإيرانيون منذ آلاف السنين، وقد سرت عادات هذا العيد وتقاليده في العهود الإسلاميّة وآثرت في المجتمع الإسلامي، وشارك الخلفاء رعاياهم في الاحتفاء بالأعياد الفارسيّة حتي جاء العباسيون فبلغت الدولة على أيديهم أوج ازدهارها ورقيها من حيث سعة الملك ورغد العيش، وبسبب ما توفر لها من حضارة ماديّة تفوق حد الوصف، ولما خطته في حياتها العقليّة وحركتها العلميّة، وما أقدمت عليه من نقل التراث الأجنبي إلى العربية، والوقوف على تقاليد البلاد المفتوحة ومعرفة عاداتها، مما جعل هذه الأعياد تستعيد رونقها وأبهتها القديمة، بل لقد بالغ الخلفاء أنفسهم وكُتّابهم ورجالات بلاطهم في الاحتفال بها، وصاحبها البذخ والترف والتعقيد. واحتفلت به مصر منذ عهد الفراعنة، مرورًا بالعصور التاريخية المتعاقبة حتى عصرنا الحاضر وما احتفالنا اليوم بيوم شم النسيم إلا مظهر من مظاهر الاحتفال بهذا العيد. وكان للنوروز أثر في أدبنا العربي الإنساني الذي أفاد من الثقافات الشرقيّة والغربية وهضمها وعبّر عنها أحسن تعبير. وعلى هذا نكون على صواب إذا اعتبرنا النوروز عاملاً فعّالاً من عوامل التقاء العرب بالفرس كما كان جامعة تجمعهم على البر والخير والمعاني الإنسانيّة النبيلة التي تقوم على الحب والإخاء والتعاطف.