البلاد كالناس، منهم الحبيب الودود، ومنهم من تعرفه لتنساه، ومنهم من تمجه وتمج الحياة من أجله! وهكذا البلاد، منها القريب إلى النفس الذي ينعطف إليك منذ أن تطأ رحابه، وتتركه مصهور القلب، تفكر متى تعود إلى أحضانه. ومن بينها ما تقضي بين جنباته الأيام والشهور، ولا يخلف في نفسك أثرًا. فلا أنت تحن إليه، ولا أنت تزور عنه. ومن البلاد ما لا تجد في صدرك سعة لقبوله...
وبرلين لها أحباؤها وعُشّاقها، وأنا من بين هؤلاء الأحباء، فقد هبطتها ضاربًا في أرض الله، فَفَتَحت لي صدرها، فسكنتُ إليها. وتركتها بعد أن طرقت فيها كل باب، وقضيت أيامها منذ الصباح الأول، وسهرت ليلها حتى الهزيع الأخير.