لقد كان سقراط "يسأل" ويطرح أسئلة "حول" القضية و "في" القضية، كما كان يطرح أسئلة "من" الأسئلة ولم يكن سقراط يطرح أسئلة كغاية في ذاتها، ولكن كوسيلة لتحقيق غاية محددة تنطوي على فعل معين يتسم بالمسئولية.
وانطلاقًا من هذه البداية طرح هيدجر منهجه "الهرمنيوطيقي" الذي تناول من خلاله قدرات الإنسان الطبيعية فكشف عن كرامته وعن موقفه من الوجود باعتبارهما تأسيسًا لم يتأسس، ومع ذلك يُنشد الإنسان تأسيسه كمسئولية تجاه ذاته وتجاه ما يتجاوز ذاته وهو يدين في ذلك كله إلى أساس وجوده، ومن هنا يتضح أنّ تجرُّع سقراط للسم لم يكن دليلاً على فشله واستسلامه، ولكنه كان مجرد "تذكرة" أو بالأدق "تذكرة بالفعل الإنساني".
لا أدري إذا كان سقراط ما زال في حاجة إلى تجرُّع السم في أيامنا هذه. بيد أنني أود التأكيد على أن سقراط هو نقطة البداية التاريخية التي انطلقت منها الفلسفة الحديثة والتربية المعاصرة.