واقع وإشكاليات العلوم الاجتماعية في العالم العربي
واقع وإشكاليات العلوم الاجتماعية في العالم العربي
الدعوة إلى إبداع علم اجتماع عربي نابع من واقعنا
لولا الفلسفة لكانت العلوم الاجتماعية في طريق آخر
تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة المصرية، أقامت مؤسسة الفكر العربي بالشراكة مع المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي فعاليات الملتقى الثقافي الخاص بإطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية "الفكر العربي في عقدين "2000- 2020"، ومناقشة المحورين السياسي والاجتماعي بالتقرير، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
وفي إطار فعاليات اليوم الثاني ناقشت الجلسة الثالثة في الملتقى واقع وإشكاليات العلوم الاجتماعية في العالم العربي، وإمكانية إبداع علم اجتماع عربي، نابع من واقعنا، أدار الجلسة الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، وشارك بها كل من: الدكتور فريدريك معتوق عميد متقاعد لمعهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية، والدكتور وحيد عبدالمجيد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والدكتور محمد المعزوز مدير الأكاديمية الأوروبية العربية للدراسات الجيوستراتيجية بباريس.
وبدأ الدكتور فريدريك معتوق مداخلته بالتساؤل الصادم: أي علم اجتماع نريد؟ وهل نكتفي بعلم الاجتماع كما هو عليه اليوم، أم اننا نريد الانتقال به إلى مستوى آخر؟ وأي علم اجتماع نريد في النهاية؟ مؤكدًا أن أقسام علم الاجتماع كثرت في الجامعات العربية منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وقد لمسنا أيضًا كثرة الدارسين والخريجين، وحملة ماجستير ودكتوراه في هذا الاختصاص في الجامعات العربية كافة، وشهدنا كذلك ظهور العديد من مراكز الدراسات والأبحاث راهنًا، لكن هذا الجهد الكمي الذي كلف مجهودات وتضحيات جمة لم يفضِ إلى إنشاء علم اجتماع عربي حقيقي حتى اليوم، بحيث إن علم الاجتماع عندنا لا زال بمثابة علم اجتماع معرب، ليس علم اجتماع عربيًّا، في مقابل وجود علم اجتماع فرنسي حقيقي، وآخر ألماني وآخر بريطاني وآخر أمريكي، وهكذا.
وتساءل معتوق: هل لهذا العلم رواد عند سوانا فيما نحن نفتقر إلى رائد ومؤسس؟ وهنا لا بد من التذكير أن مَن أطلق علم العمران البشري عام 1375، هو ابن خلدون، أوليس العمران البشري أهم من علم الاجتماع الدوركهايمي الذي يحصر نفسه بالظاهرة الاجتماعية، فيما تشمل كلمة عمران في المقدمة، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني والفني معًا؟
موضحًا أن ابن خلدون أسس لمفهوم النسبية الاجتماعية الذي يشكل اليوم المفهوم التأسيسي لعلم الاجتماع في الغرب عندما كتب: "إن العلوم تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة، والسبب في ذلك أن الصنائع إنما تكثر في الأمصار، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف، تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة، لأنه أمر زائد على المعاش، فمتى فضلت أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان وهي العلوم والصنائع".
ويرى معتوق أن علوم الاجتماع في الغرب تأسست على مفهوم الطبقات الاجتماعية، في سياق الثورة الصناعية، أما عندنا فلا طبقات اجتماعية بالمعنى الغربي للكلمة، بل إن نظامنا الاجتماعي مبني على الجماعات، ولكي نفسر الظاهرة الاجتماعية علينا أن ننطلق من تبييئنا للموضوع، لا من تغريبه.
وتحدث الدكتور وحيد عبدالمجيد حول العلوم الاجتماعية بين العلم والأيديولوجيا، معرفًا العلم بأنه معرفة ناقصة قابلة للتخطئة والتصحيح والتجاوز والتخطيء، وأما الأيديولوجيا فهي في رأي أصحابها معرفة كاملة لا محال فيها للخطأ، ولكارل بوبر إسهام مهم في هذا الموضوع لا يقتصر على علوم معينة بل يتعلق بالنظرية العلمية، وهي ما وصل إليه العقل العلمي في لحظة معينة، وأي نظرية علمية ليست لها قيمة في ذاتها فقط، بل فيما تثيره حولها من جدل، وهكذا يتطور العلم، وأما الأيديولوجيا فعلى العكس تمامًا فهي نسق مغلق، وعندما تنقد يرى أصحابها أن نقدها محاولة للهدم، وأنها تتعرض لخصوم أو الأعداء أو أن ناقديها ضعاف العقل لا يقدرونها أو لا يفهمونها، موضحًا أن الفرق بين العلم والأيديولوجيا واضح في حالة العلوم الأساسية والتي لا مجال فيها للانحياز ولا مسافة للفرق بين الموضوعي والذاتي، وأما في العلوم الاجتماعية فالخلط بين الموضوعي والذاتي شاسع، وهذا جزء من طبيعة العلوم الاجتماعية، فحقل دراسة العلوم الاجتماعية هو البشر في جوانب مختلفة من حيواتهم، وتسعى كل في مجال تخصصه إلى فهم هذه التفاعلات في ظواهرها المختلفة، وبالتالي فالباحث في العلوم الاجتماعية موضوعه ليس منفصلًا عن ذاته لأنه كائن بشري ويدرس البشر والخلط يحدث أحيانًا عن قصد وأحيانًا عن قصد.
ويرى أن الفلسفة قد أضرت بالعلوم الاجتماعية أكثر مما أفادتها، وأن العلوم الاجتماعية لولا الفلسفة فربما اتخذت شكلًا آخر.
وقال الدكتور محمد المعزوز إن ما نعرفه اليوم من دراسات ونظريات تخص علوم الاجتماع أصبح غير ذي جدوى لرصد هذا الواقع الجديد، فكل ما يمكن رصده هو الجهود الخاصة بالرابطة الأمريكية لعلماء الاجتماع، والتي حرصت أن تتجه كل محاولاتها وأنشطتها لمعرفة الشعور العربي اليوم، بكل ما يخص الواقع المعيش، وخاصة لـ"الطائفية"، ولأهمية الموضوع أصبحت شركة مايكروسوفت تستعين ببعض علماء الاجتماع، وإذا نظرنا إلى علم الاجتماع من خلال دلالاته التاريخية سنجد أن ظهوره كان بسبب الثورة الصناعية الحديثة لكي يجيب على تساؤل ما الذي يحدث؟