مناقشة حول الهُوية الوطنية والتحديات الإقليمية المعاصرة بالأعلى للثقافة
تحت رعاية وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة، وبأمانة الدكتور هشام عزمى، عُقدت مساء اليوم الثلاثاء الموافق 25 أغسطس ندوة بعنوان: "حول الهوية الوطنية والتحديات الإقليمية المعاصرة"، نظمتها لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا بالمجلس بمشاركة كل من: الدكتور أحمد مجدى حجازى، الدكتور مراد وهبة، الدكتور مصطفى النشار، وأدارها الدكتور أسامة عبد البارى، وقد روعى تطبيق الإجراءات الاحترازية المقررة بهدف الوقاية من فيروس كورونا.
بدأت الندوة بكلمة الدكتور مصطفى النشار، مقرر لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، حيث رحب بالسادة الحضور فى افتتاح صالون التنوير فى أولى الفعاليات التى تنظمها اللجنة عقب عودة الأنشطة الثقافية، وأشار إلى أن هذه اللجنة أصبحت تضم لجنتين وهما: "لجنة الفلسفة، ولجنة الاجتماع والأنثروبولوجيا"، وقام بشكر مقررا اللجنتين وأعضائهما بالدورة السابقة لدمجهما، مشيرًا إلى تقديمهم جهدًا وفيرًا ومهمًا ضمن أنشطة المجلس، وقال: "إننا نستكمل هذه المهمة، فقد أجمعت اللجنة على أن يكون الموضوع عن الهوية الوطنية لنبدأ نشاطنا بتحديد الهوية الوطنية وما نواجه من تحديات إقليمية ودولية، لابد أن يكون لنا موقف ورأى حولها."
ثم ألقى الدكتور أسامة عبد البارى كلمته، التى بدأها بتوضيح أهمية موضوع الندوة؛ حيث قال: "إننا نناقش قضية مهمة، تمتلك أعلى درجات الأهمية؛ لأنها قضية وجودية فى المقام الأول."، وأضاف أن حديثنا عن مفهوم الهوية وربطها بصفة المواطنة له أهميته الكبيرة، وخصوصًا فى هذه الفترة، كما أن اختيار هذا العنوان فى بداية لقاءاتنا الشهرية، ارتبط بزخم كبير والكثير من المناقشات باللجنة انتهت إلى أنه لابد أن تكون البداية على درجة كبيرة من القوة، من حيث الموضوع المطروح والمشاركين فى نقاشه بطبيعة الحال، وهذا يرجع إلى محاولة الربط بين الحس الفلسفى والاجتماعى والقضايا التى تهم مجتمعنا المصرى بشكل أساسى، خاصة وأن تحديد مفهوم الهوية يرتبط بعناصر مادية واجتماعية وثقافية وسياسية، إلا أن تحقيق مفهوم الهُوية فى الشكل المعاصر أصبح يأخذ منحًا مختلف يرتبط بما يدور حولنا من صراعات إقليمية سواء على المستوى الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى أو العسكرى، ومن هنا بدأت تتعدد الانتماءات واختلفت عما سبق، وخصوصًا بين أجيال متنوعة ومتعددة من الشباب.
ثم تحدث الدكتور مراد وهبة، الذى جاءت مشاركته عبر مقطع فيديو مسجل تم بثه خلال الندوة؛ حيث اعتذر عن عدم تمكنه من الحضور بسبب حالته الصحية، وأنه كان يرغب فى المشاركة بالحضور فى هذه الجلسة الافتتاحية، ولكن مطلبًا طبيًا جعل بقاؤه بالمنزل أمر ضرورى، ودارت كلمته حول موضوع رؤية مستقبلية للتحديات القائمة، وأشار إلى أنه إذا كان لكل زمان نخبة؛ فمعنى هذا أن لدينا نخبتين، إحداهما يمكن أن يقال عنها أنها نخبة ما قبل، إلا أن صفتها على هذا النحو يلزم منها القول بأن مروراً افتراضى قد انتهى، وهو الأمر الذى دفع الزعيم الدرزى "وليد جنبلاط" بعد احتراق مرفأ بيروت، إلى قول عبارة ترقى إلى مستوى الحكمة؛ فقد قال: "نحن قد أصبحنا من الماضى!"، أما عن النخبة الثانية يمكن أن يقال عنها أنها نخبة ما بعد، إنها نخبة جديدة بفكر جديد وبمصطلحات جديدة فى مواجهة تحديات جديدة، ومن هنا تكون على هذه النخبة مسؤولية تحديد هويتها، وفى هذا المعنى يمكن أن يقال على هذا الصالون الثقافى أنه المقر الذى ولدت فيه هذه النخبة الجديدة، ومن ثم يكون فى الإمكان وضع لوحة على مدخله مكتوب عليها "هنا مولد النخبة الجديدة" وشعارها "نحن نريد أن نصبح من المستقبل".
ثم تحدث الدكتور أحمد مجدي حجازى، عن حقوق الإنسان وسؤال المواطنة نحو بناء مواطن إنسان، الموضوع يرتبط بحقوق الإنسان بشكل عام والهوية والمواطنة بشكل أساسى ومحاولة التفكير فى بناء إنسان جديد، إنسان يرتبط بملامح إنسانية معينة يجب أن نتحلى بها بشكل عام، ولذك اختار نظرية أساسية تسمى: (Human security)، وهذه النظرية يمكن أن تشكل ما نطلق عليه المواطن النشط أو المواطن الفاعل، ثم تابع كلمته مستعرضًا عدة تساؤلات يمكن الإجابة على أى منها فى هذا الموضوع، مثل: "لماذا يروج للإنسان فى لحظة ما شعور بفقدان الوطنية وفى أى ظروف دنيوية يفتقد هذه القيم أو قيم المواطنة؟"، وعرض أيضا تساؤل آخر وهو: "هل الإحساس بالهُوية الوطنية متأصل فى التراث الثقافى للأمة أم هو قابل للتغيير؟"، إذا افترضنا أن الهُوية ثابتة والشعور الأصيل بالمواطنة يبقى السؤال المشكل: "لماذا وكيف ومتى يتحلى الإنسان أو يبحث عن هُوية أخرى؟"، أسئلة وإشكاليات مُثارة وجدل دائر بين جماعات من المثقفين ورجال الفكر والاجتماع تبحث عن إيجابيات مقنعة.
واختتمت الندوة بكلمة الدكتور مصطفى النشار، الذى تحدث عن الهُوية الوطنية بين الواقع المادى والواقع الافتراضى، وبدأ كلمته بعدة تساؤلات مثل: "ماذا تعنى الهُوية؟، وإذا سأل أى إنسان نفسه ما هى هُويتى؟ ترى بماذا سيجيب؟"، وتابع: "أو إذا سألك أحد من أنت فماذا تقول؟، أو سألك ما اسمك؟ متى وُلدت؟ أين ولدت، أين تلقيت التعليم والتربية؟ إلخ.."، وأكد أنه يوجد بُعد تاريخى وبُعد اجتماعى وبُعد بيئى وبُعد مكانى وبعُد تعليمى وبعُد ثقافى، إلى أخر هذه الأبعاد؛ فكلها تشكل من أنا، وأوضح أن إضافة كلمة الوطنية إلى الهُوية، تعنى الوطن، فالهُوية الشخصية نابعة من المواطنة فى هذا الوطن، وهى التى تجعلنا ننتمى لهذا الوطن، والهُوية الوطنية تواجه تحديات تنعكس على الهُوية الشخصية، فالتحديات التى تواجه الوطن، تواجه بالتبعية كل فرد من أبناء الوطن، وأكد فى نختتم كلمته أن تحدى التكنولوجيا هو أخطر التحديات؛ فهو تحدى ضياع الهُوية المادية مشيرًا إلى ما يسمى الآن بالهُوية الافتراضية، فالشباب يتساءلون الآن كذلك: "أين توجد على الشبكة؟" بدلًا من أن يكون السؤال: "من أين أنت؟"، وهذا هو التهديد الحقيقى للهُوية الوطنية والهُوية الشخصية؛ فالواقع المادى ليس فيه شىء من الواقع الافتراضى؛ حيث صار الواقع الافتراضى الآن يهدد الواقع المادى، كما أصبح الواقع الجسدى يذوب فى الواقع المعلوماتى والواقع الافتراضى.