الصراعات الداخلية والاستقرار السياسى
الصراعات الداخلية والاستقرار السياسى بالأعلى للثقافة..
(جلسة نقاشية ضمن تقرير مؤسسة الفكر العربى بالمجلس الأعلى للثقافة)
تواصلت فعاليات إطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية "الفكر العربي في عقدين 2000 - 2020". والذي يحتضن جلساته المجلس الأعلى للثقافة خلال يومي 18 و19 سبتمبر 2023 وينظمه بالشراكة مع مؤسسة الفكر العربي، وشهدت هذه الفعالية مشاركة كوكبة كبيرة من الباحثين والأكاديميين والمتخصصين؛ حيث تم الافتتاح صباح اليوم الموافق الاثنين 18 سبتمبر 2023- بدار الأوبرا المصرية، وعقدت آخر جلسات اليوم الأول التى جاءت تحت عنوان: العلاقة بين الدولة والمجتمع: الصراعات الداخلية والاستقرار السياسي، وأدارتها: أ.د. فاديا كيوان (لبنان)، وجاءت المداخلة الأولي بعنوان: إشكاليات العلاقة بين الدولة والمجتمع، وقدمها: أ.د. يوسف الصواني (ليبيا)، أما المداخلة الثانية فحملت عنوان: مفاهيم الدولة في الفكر السياسي العربي المعاصر، وقدمها: أ.د. علي أومليل (المغرب).
تناول الدكتور يوسف الصوانى مضمون ورقته البحثية التى حملت عنوان: (أزمة الدولة العربية: جدَلُ التَّكوين والتغيير)، والتى يشير فيها إلى ما تواجهه الدولة العربيّة من تحدّيات مُتعدّدة المستويات ترتبط بنشأتها وطبيعتها وبعلاقتها بمحيطها الداخلي أو بمجتمعها، مثلما ترتبط وتتأثر بمُحيطها الإقليمي والنّظام العالمي في سيرورته المتواصلة. لقد كَشَفَتْ احتجاجات الربيع العربي» وانتفاضاته منذ العام 2010 عن أزمةٍ بدت عميقة، في ما واجهته الدولة العربية ونظامها الإقليمي، وهي تطرح أسئلة أكثر عُمقاً حول التفسيرات الملائمة لهذه الأزمة، وآفاق تجاوزها، وما يُمكن أن يترتب عن وجود هذه الدولة وهويتها كما عكست الأزمة هذا التحدّي في عدم توصل الفكر العربي لأجوبة عن الأسئلة الجوهريّة التي تمّ طرحها منذ مطلع ما عُرف بالنهضة العربية في صلتها بنظام الدولة العربية وحتّى اليوم، ولم ينته بالطبع الجدل بشأنها بل هو مُرشّح للاستمرار. لقد أسهمت التطوّرات والارتدادات التي نجمت عن «الربيع العربي» في تعميق الأسئلة المعرفية والإشكاليات الفكرية؛ وبدا هذا أكثر وضوحاً في الأقطار العربيّة التي شهدت تصاعداً في أعمال العنف، بما يفرض أسئلة جديدة وحاسمة ليس على مستوى مُواجهة الطروحات الفكرية أو الترتيبات الخارجيّة فحسب، بل أيضاً إزاء التكوينات المحليّة التي صارت تتخذ أبعاداً جديدة بفعل الثورة التكنولوجيّة والمعلوماتية وأيضاً بفعل ازدياد درجة الانكشاف والتدخل الخارجي ونطاقهما. وفى مختتم كلمته أكد أنه فى ورقته البحثية هذه قدم مناقشة لتلك الأسئلة والتحدّيات، مع تخصيص قسمًا منها للنظر في كيف تمثلت أزمة الدولة العربية اليوم، وخصوصاً بعد الربيع العربي» على مستوى المُناقشات الفكرية والسياسية الكبرى، كما تعرض الحالة الليبية كنموذج على ذلك.
فيما تحدث الدكتور على أومليل متسائلًا حول سببية تموضع مسألة إصلاح الحكم كمدار لفكر الإصلاح السياسي العربي الحديث؟ ثم استطرد موضحًا أن هذا الفكر الإصلاحي، وهو يُرجع التأخر إلى الاستبداد إنما يتفق مع ما حكم به المفكرون الأوروبيون على الشرق - خاصة في القرن الثامن عشر - وعلى جمود بلدانه الذي أرجعوه إلى ما اصطلحوا على تسميته بـ الاستبداد الشرقي؛ فهل نطمئن إلى القول بأن دعاة الإصلاح العربي الحديث منذ أوائل القرن التاسع عشر إنما كانوا صدى لما قاله الآخرون عن بلدانهم، وخاضوا في إشكالية صاغها الغير؟ هذا بوجه عام حكم فلاسفة عصر الأنوار على السبب في تأخر الشرق، وكذلك أصحاب الرحلات أمثال قولني، وبيرنيي من الذين كانوا مصدرًا لمعلومات أولئك الفلاسفة عن البلاد المشرقية، والملاحظ أن ممالك الشرق الإسلامي مثل الامبراطورية العثمانية، وفارس المملكة المغولية بالهند بما كان لديهم استبداد كذلك، إلا أنهم كونوا عن الصين صورة مغايرة، بل نجد أحد أعلام الفلسفة الاقتصادية (الفزيوقراطية) ذهب إلى أن القوانين السياسية والأخلاقية للصين مؤسسة على معرفة بالقانون الطبيعي وأن هذه البلاد ينبغي أن تُتخذ نموذجًا لسائر الدول، وفى مختتم حديثه أكد أننا قد نجيب بالإيجاب ونحن نرى أنهم أيضًا يحصرون المشكل في طبيعة النظام السياسي، ويفسرونه بالاستبداد، ويدورون حول ثنائيات مثل: الشرق والغرب، الانحطاط أو التأخر ويقابلهما التمدن أو التقدم، والاستبداد أو الحرية، إلخ.. وبرغم ظهور الاتّباع هنا، إلا أنه غير كافٍ لتفسير ما جعل القضية الجوهرية بالنسبة لهذا الفكر الإصلاحي العربي الحديث هى إصلاح نظام الحكم. لذا نعتقد أن التفسير ينبغي أن يتجه أيضًا إلى الكيفية التي أُسس عليها جهاز الدولة في البلاد العربية في العصور الحديثة.