تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة المصرية، أقامت مؤسسة الفكر العربي بالشراكة مع المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي فعاليات الملتقى الثقافي الخاص بإطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية "الفكر العربي في عقدين "2000- 2020"، ومناقشة المحورين السياسي والاجتماعي بالتقرير، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
وفي إطار فعاليات اليوم الثاني ناقشت الجلسة الرابعة في الملتقى التربية والتعليم في العالم العربي وضرورة إصلاح النظم التربوية والتعليمية فيه.
أدار الجلسة الدكتورة محيا زيتون، وشارك فيها: الدكتور عدنان الأمين أستاذ العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية، والدكتور أحمد جمال الدين موسى أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة المنصورة، خالد عبدالفتاح أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة حلوان.
أشارت الدكتورة محيا زيتون إلى طبيعة التغييرات التي طرأت على الفكر والممارسات في قطاع التربية في العالم العربي خلال العقدين الفائتين، وتحديد جوانب القصور والتحديات التي يواجهها القطاع وآفاقه المستقبلية في ضوء ذلك.
كما ألمحت إلى الفكر النيوليبرالي وكيف حل محل سياسات دولة الرفاه التي سادت العالم الرأسمالي الغربي لسنوات طويلة أطلق عليها العصر الذهبي للرأسمالية، وكيف تم تصدير هذا الفكر إلى العالم العربي والدول النامية، مغلفًا بشكل برامج للإصلاح الاقتصادي، وترتبت على تطبيق النيوليبرالية في العالم العربي مجموعة من الآثار الاقتصادية السلبية التي مهدت الطريق أمام غزو الفكر النيوليبرالي لقطاع التعليم العربي، ومن أهمها محدودية النمو الاقتصادي، والتفاوت الحاد في توزيع الدخل والثروة، وتراجع فرص الوظائف في عالم العمل العربي ونوعيته.
وتحدث الدكتور عدنان الأمين حول وساوس الفكر التربوي العربي في القرن الحادي والعشرين، إبان المرحلة الليبرالية، في مصر، إذ قدم طه حسين، الخلدوني النزعة، أطروحات فكرية وأدبية، وساجل على شتى الجبهات ومنها التعليمية، وكان كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) (1938) مرجعًا فكريًّا تربويًّا، وقد تعرض للنقد والتأييد وعوقب وكوفئ من قبل السلطات والمجتمع، وضاق بالحياة العقلية في مصر بحسب ما ينقل عنه محمد عبد الحليم عبد الله. ودافع عنه زملاؤه في الجامعة وفي طليعتهم أحمد لطفي السيد أستاذه سابقًا الذي وصفه سعيد إسماعيل علي بأنه "مفكر البرجوازية المصرية".
وقال الأمين: "نحن العرب"، ظهر هذا المعنى في بلاد الشام، في مواجهة السلطنة العثمانية والغرب على السواء. كان ساطع الحصري الذي أعجب بالتتريك سابقًا من رواده، وأيد الثورة العربية بقيادة الشريف حسين ضد السلطنة العثمانية بدعم من الحكومة البريطانية، وحمل لواء الثقافة العربية في العراق مقربًا من الملك فؤاد الأول ابتداءً من العام 1921، ثم حمل هذا اللواء في سوريا في العام 1943 عندما اقترح على حكومة سعد الله الجابري إلغاء مادة اللغة الفرنسية من الصفين الرابع والخامس في المدارس الحكومية والخاصة كافة، وإلغاء نظام البكالوريا الفرنسية، وفي تلك الفترة بالذات كانت الهوية "نحن المسلمين"، تظهر على يد مجموعة من علماء الدين الذين أسسوا "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" (1931)، لمقاومة الاحتلال الفرنسي.
وفي الفترة الزمنية نفسها تجاورت نزعات ثلاث: ليبرالية، إسلامية، وقومية عربية، وربما كان الفكر العربي، ومن ضمنه الفكر التربوي، سيتطور بطريقة أخرى، بعد انتهاء الوصايات الفرنسية والبريطانية على كل من سوريا والعراق ومصر، لكن ما حدث في العام 1948، أشعل النزعة القومية، وبدرجة عالية من التشدد تتناسب مع عنف ما حصل، فقد فشلت الجيوش العربية في صد الصهاينة وأعلنت دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وأول ما فعلته النزعة القومية بعد أن استلمت الحكم إنهاء المرحلة الليبرالية، وقد تم ذلك تحت ثلاثة عناوين: الوحدة العربية، واسترجاع فلسطين، والاشتراكية.
وليس الموضوع هنا ما تحقق من هذه الشعارات الثلاثة، الموضوع هو أن انتصار النزعة الأيديولوجية القومية بعناصرها الثلاثة هذه حكمت الفكر العربي والفكر التربوي طوال عقود، وأهم ما فيها أنها أطبقت على الحريات الفكرية والأكاديمية، وكما نقل أحمد عبد الله رزة عن أحد قادة الطلاب أن الحكومة الناصرية "احتكرت العصمة والحكمة، وأعلنت فكرها وكفَّرت غيرها، وقالت إن من ليس معها فهو عليها". هكذا ساد صمت طلابي مطبق بين العامين 1954 و1968 في مصر، وابتداءً من مطلع الستينيات في العراق وسوريا تحت حكم البعثيين، وكان المطلوب من الفكر التربوي في الدول الثلاث تسويغ خيارات الحكومات والامتثال لها.
ظل الوضع في سوريا على هذا النحو إلى يومنا هذا، وفي العراق حتى العام 2003 مع سقوط صدام حسين، لكن في مصر تغير المناخ السياسي والفكري بدءًا من العام 1968، فقد شهدت السنوات الخمس التي تلت نكسة حزيران حركات طلابية حارة، ونشرت أعمال كثيرة، وما يجدر ذكره أن الحركات الفكرية والطلابية المعترضة شارك فيها وأحيانًا قادها ناصريون سابقًا، وكانت النكسة شديدة الوقع على الشباب والمثقفين، وهي لم تحرك فيهم المشاعر الوطنية ضد المعتدي فحسب، بل مشاعر التمرد على النظام السياسي.
واختتم الأمين كلمته قائلًا إن من أراد البحث عن الفكر العربي بعد العام 2000 يجب أن يفتش عنه في مؤلفات مفكرين عرب نشروا في الخارج، والفكرة هنا أن مؤلفًا فكريًّا ما، لا وجود له إلا إذا كان له صدى، من النوع نفسه، أي لدى الجماعة العلمية، والجماعة العلمية هي جماعة عالمية، فلا وجود للمؤلف الفكري إلا إذا تشابك مع غيره من المؤلفات، ليس عن طريق ذكره كمصدر أو مرجع فحسب، بل عن طريق مقارعته، كما يفعل اليوم المفكر والمؤرخ المصري خالد فهمي (1964) مثلًا، وإلا إذا سنحت الفرصة لنظرية المؤلف أن تصبح مدرسة في المعالجة الفكرية في الجامعات.
وقدم الدكتور أحمد جمال الدين موسى ورقة بعنوان: "التعليم في مصر والوطن العربي في إطار الإصلاح المؤسسي"، ويرى أن المشكلة في معظم البلاد العربية أن الأمر وصل إلى أن تدير الدولة هرمًا من المؤسسات والهيئات والمصالح والإدارات والمرافق بدلًا من أن تضع إطارًا مؤسسيًّا تزدهر فيه سيادة الأفراد والجماعات ومواهبهم الخلاقة.
وتساءل جمال الدين: لماذا الإصلاح المؤسسي؟ مؤكدًا أن لللإصلاح المؤسسي أهمية كبيرة، وأن المسؤول التنفيذي مهما بلغت كفاءته وإخلاصه فلن يستطيع تحقيق الإنجازات التي يطمح إليها لأنه سيواجه بقيود وعقبات تتجاوز اختصاصه وقدراته، فهي ترجع إلى عدم كفاءة التنظيم المؤسسي ككل، وذلك يصدق على قطاع التعليم، كما يصدق على غيره من القطاعات.
وتناول خالد عبدالفتاح التطور التاريخي للجامعات العربية، وبدأ حديثه بأهمية التعريف بنشأة الجامعات وتطورها، منوهًا أن تاريخها يمتد لأكثر من مائتي عام، بدأت بثلاث جامعة مهمة في مصر وتونس والمغربة، مثل الأزهر والزيتونة ونشأة الجامعة الأمريكية في بيروت، أما الآن فمصر وحدها فيها أكثر من 200 جامعة و250 مؤسسة تعليم عال، وأضاف أن المتأمل لتاريخ الجامعات العربية سيجد أن لها عددًا من الأدوار المهمة، مثل تأسيس نهضة عربية لتقديمها عددًا من الرموز التي أسست لنهضة عربية، مثل رفاعة الطهطاوي وطه حسين وغيرهما، كذلك كان لها دور في مواكبة الثورات الصناعية والاقتصادية والسياسية، مشيرًا إلى تطور دور الجامعات في الإعداد السياسي للحركات الشبابية خلف أسوار الجامعات سواء في مقاومة احتلال أو نشأة تحرر وطني، وعن المتغيرات الآن قال إن من أهمها التغيير الديموجرافي، وزيادة الطلب على التعليم الجامعي، وإخضاع الجامعة لثقافة الشباب.